تولد في موطنٍ ما، تتعلم، تعمل، تدخر وتدخر وتدخر، تتقدم في العُمر، ثُم تُلقي بكُل ما ادخرته تحت أقدام ذلك الخط المُستقيم، حتى تجد نفسك يومًا ما واقفًا أمام المرآة تنظر إلى هذا الخط وقد اعوج على جبهتك، واحتل الشيب مُغظم رأسك وقائمة الأشياء التي ترغب في فعلها والأماكن التي تمنيت زيارتها مازالت بين أوراق كتابٍ ما، لا تذكر حتى اسمه، تكتشف انك لم تُبارح هذا المكان مُنذ مايقرب من نصف قرن.
وهُناك من قرر الثورة على الخطة الموضوعة سلفًا ووضع أُخرى جديدة، قرر كسر خطهم المُستقيم قبل أن يتحول إلى تجاعيد تملأ وجهه، قرر أن يُلقي بكُل ما أدخره تحت أقدامه هو، أن يضع كلمة ” تم ” أمام كُل شئ فعله وكُل مكان زاره في قائمته ووضع على رأس قائمته جُملة يحفظها عن ظهر قلب ” المليونير هو من يُنفق المليون، لا من يدخرهم” .
كلوفيس أكوستا، الرجل البرازيلي صاحب القُبعة المُميزة على رأسه ونُسخة مُقلدة من كأس العالم في يده، رجلًا ممن أدركوا أن الحياة هي فُرصة المرة الواحدة، ولأنها لا تتكرر فعليه أن يحياها كما ينبغي، أن يحياها مُستمتعًا بكُل ثانية فيها، فقرر أن يثور وأن يسير على خط من صُنعه، وجد المُتعة في السفر والشغف في التشجيع، فقرر دمجهم ليُسافر خلف مُنتخب بلاده مُشجعًا.
خط أكوستا كان مُذهلًا، خط يبدأ من البرازيل، يمُر بإيطاليا، أمريكا، ألمانيا، جنوب إفريقيا وتشيلي وببلادٍ أخرى ولكن أحدًا لم يلتقط صورته حاملًا للكأس الذهبية في المُدرجات.
أكوستا قام بتشجيع البرازيل في 60 بلد مُختلف وحضر أكثر من 150 لقاء لمُنتخب بلاده من أرض الملعب، منذ 9 سنوات بدأ يتبعه هذا الضيف الثقيل إلى حيث يذهب، من بلدٍ لأخرى ومن قارةٍ لقارة، منذ 9 سنوات اكتشف أكوستا أن بين ليلةٍ وضُحاها قد تتوقف رحلته الكُبرى للأبد، اكتشف أن السرطان احتل جُزءً ليس صغيرًا في جسده.
أنهك السرطان جسده رويدًا رويدًا -رُبما-، ولكن أكوستا لم يقف أمام مرآته نادمًا، تجاعيد وجهه لم تكُن تذكره إلا بخارطة العالم الذي زار معظمه مُشجعًا، باكيًا تارة ومُحتفلًا أُخرى.
مزق السرطان تذكرة طيران أكوستا إلى روسيا وابتاع له أُخرى للسماء، رحل ” السوبر فان” عن دُنياه، عن المُدرج وعن قائمته التي تمتلأ بكلمة ” تم “، أخيرًا سار أكوستا في خط مُستقيم.